المجاملات هي التي جعلتنا في هذه البلاد نعجز بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، وربع قرن من المصادقة على دستور 1991 الذي جعل للجمهورية الإسلامية الموريتانية لغة رسمية وحيدة، وثلاث لغات وطنية، أقول المجاملات هي التي جعلتنا نعجز عن التفعيل الكامل للمادة السادسة من دستورنا، وهي - أي المجاملات- التي جعلتنا في الأيام الماضية نتابع سفير فرنسا يحترم دستورنا ( وهو غير ملزم بذلك)، في نشاط رسمي، في حين أن وزيرا موريتانيا لا يحترم ذلك الدستور بحجة أنه لا يستطيع أن يتحدث باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية!!!!
هذا المشهد غير اللائق يفرض عدة ملاحظات:
1- لم يعد مناسبا أن تضم الحكومة وزيرا لا يستطيع أن يتحدث باللغة الدستورية لبلده؛
2- ماذا يعني أن يحدد بلدً ما لغة ما، لغة رسمية وحيدة في ذلك البلد؟ يعني ذلك وببساطة شديدة، أن تكون تلك اللغة هي لغة الإدارة ولغة الخطاب الرسمي في ذلك البلد؛
3- في حالة تعذر الحديث باللغة الرسمية لموريتانيا، وهذا مما لا يليق، فمن الواجب في هذه الحالة التحدث بلغة وطنية، لا بلغة أجنبية، وذلك مما يضمن بقاء الحديث الرسمي في دائرة الدستور، وفي دائرة المادة السادسة منه؛
4- أعرف شخصيا بعض الموريتانيين الذين يستطيعون أن يتحدثوا باللغة العربية أو بالحسانية وهي لهجة عربية، ولكنهم يرفضون ذلك، ويتظاهرون دائما بأنهم لا يشتطيعون التحدث باللغة العربية. بعض هؤلاء عندما يواجهون موقفا حرجا، سياسيا أو إعلاميا، فإنك تجدهم يتحدثون بالعربية أو الحسانية لإيصال وجهة نظرهم لاوسع جمهور ممكن، فيظهر حينها أنهم يستطيعون التحدث بالعربية، ولكنهم كانوا يرفضون ذلك لأسباب سياسية معروفة؛
5- تابعوا - فضلا لا أمرا - هذا المقطع المرئي الذي يتحدث فيه العمدة السابق لبلدية السبخة، ويقول فيه إنه حصل على الباكالوريا هنا في موريتانيا، وكَبُرَ هنا في موريتانيا، وأنه تعلم أربع لغات هنا في موريتانيا، وهي الفرنسية والإنجليزية والألمانية والأسبانية ولكنه لم يتعلم اللغة العربية ولم يفهم كل ما قيل بها من قبله!!!
ألا يظهر من هذا الحديث أن سيادة العمدة هو الذي لا يريد أصلا أن يتعلم اللغة العربية، والتي هي بالمناسبة لغة القرآن الذي يتعبد بتلاوته، وهي كذلك اللغة التي لابد له أن يستخدمها يوميا خمس مرات في صلواته الخمس، ثم إنها هي اللغة الرسمية الوحيدة لبلده الذي مكنه من أن يتعلم أربع لغات عالمية، وأن يصبح عمدة يتقاضى راتبا معتبرا.
لنطرح سؤالا مباشرا:
هل مُنِع هذا العمدة الذي تعلم أربع لغات هنا في موريتانيا من تعلم اللغة العربية، أم أنه لا يُريد فقط أن يتعلمها لسبب معروف أو غير معروف؟
هناك كلمات عربية افتتح بها العمدة كلامه تؤكد طريقة نطقه لها أنه قادر على تعلم اللغة العربية إن أراد ذلك، بل إنها قد توحي بأنه تعلم العربية فعلا، ولكنه - لسبب ما - يتظاهر بعكس ذلك.
كفى مجاملات!
