نظم صالون المدونين جلسته النقاشية الأسبوعية الـ23 تحت عنوان: "تعريب الإدارة: واجب دستوري، ومطلب تنموي، ومظهر سيادي"، وذلك تجاوبًا مع التفاعل الإعلامي والشعبي الواسع الذي أثاره تعميم وزير الاقتصاد والمالية، القاضي بإلزام مصالح الوزارة بتحرير جميع وثائقها ومراسلاتها باللغة العربية حصراً.
وقد تميزت الجلسة بعدد من المداخلات النوعية التي تناولت الموضوع بشكل عميق، من زوايا قانونية وتاريخية وثقافية واجتماعية.
في مستهل الجلسة، أكد الأستاذ محمد المامي مولاي أعلي، المحامي والخبير القانوني، أن تمكين اللغة العربية لم يعد مجرد مطلب هوياتي، بل أصبح حقًا أساسيًا من حقوق المواطن، يتجلى في ضرورة حصوله على الخدمة الإدارية، والمعلومة الاستهلاكية، وحق الولوج للطلبيات العمومية بلغته الرسمية. وشدد على أن هذا الحق منصوص عليه في الدستور، وتكفله التشريعات الوطنية، ولم يعد بالإمكان القفز عليه أو تأجيله.
أما الدكتور محمد إسحاق الكنتي، فقد استعرض في مداخلته السياق التاريخي لمسألة تعريب الإدارة، متوقفًا عند مظاهر التهميش التي طالت اللغة العربية منذ الاستقلال، وحتى اليوم، مشيرًا إلى أن جميع التيارات الأيديولوجية الكبرى في البلاد، من الكادحين إلى الإسلاميين، مرورًا بالقوميين العرب، كانت لها مواقف مترددة أو سلبية تجاه تمكين اللغة العربية في الإدارة، مما أضعف جهود ترسيمها لعقود.
ومن زاوية الهوية الوطنية الجامعة، تناول الدكتور سيداب عالي الموضوع، مؤكدًا أن العربية ليست لغة فئة أو جهة، بل لغة دين وثقافة جامعة لكل مكونات الشعب الموريتاني، وينبغي أن تكون كذلك في الوجدان والسياسات. لكنه نبه إلى أن الإشكال لا يكمن في الاعتراف بالعربية لغة رسمية وحيدة، بل يكمن في غياب سياسة لغوية متوازنة، تُفعل ترسيمها دون الإضرار باللغات الوطنية الأخرى أو إقصاء المتعلمين باللغات الأجنبية.
وقد توالت المداخلات بعد ذلك، وسط إجماع وتثمين واسع للتعميم الوزاري، الذي وصفه المشاركون بأنه خطوة جريئة نحو تفعيل الدستور، وتكريس السيادة اللغوية، وترسيخ مكانة اللغة العربية في الممارسة الإدارية اليومية.