في فجر يوم الجمعة، 13 یونیو، أقدم الكيان الصهيوني على تنفيذ عدوان غادر وغير مسبوق ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مستهدفاً منشآت مدنية وعسكرية في مناطق متفرقة من البلاد، ما أسفر عن استشهاد عدد كبير من النساء والأطفال، إضافة إلى تدمير بنى تحتية وإزهاق أرواح علماء وقادة عسكريين. وهو ما يشكّل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة ولجميع المواثيق الدولية التي تحظر استخدام القوة ضد سيادة الدول.
إن هذا العدوان السافر لم يكن حدثاً عابراً أو عملاً معزولاً، بل يأتي في سياق سياسة ممنهجة ينتهجها الاحتلال الصهيوني منذ عقود، تقوم على زعزعة استقرار المنطقة وتوسيع رقعة العنف والصراع، بدعم مباشر أو ضمني من بعض القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد أثبتت الوقائع أن هذا الكيان لا يفرّق بين عسكري ومدني، ولا يتورع عن استهداف النساء والأطفال كما فعل مراراً في فلسطين ولبنان وسوريا، واليوم في إيران، حيث تدمّرت منازل واستشهد أطفال في أحضان أمهاتهم، في مشاهد تُعيد إلى الأذهان فظائع غزة وصبرا وشاتيلا.
من ناحية أخرى، وفي صباح يوم الأحد الموافق 22 يونيو، ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتها عضواً في مجلس الأمن، انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، وللقوانين الدولية، ولمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، من خلال شنّ هجوم على المنشآت النووية السلمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وقد وقع هذا العدوان الوحشي من قبل الولايات المتحدة ضد إيران من دون أي مبرر قانوني، في حين أن البرنامج النووي الإيراني هو برنامج سلمي تماماً ويخضع لمراقبة دائمة وعلى مدار الساعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). وفي الواقع، فإنّ معظم وقت الوكالة ومفتشيها يُكرّس حصراً لمتابعة البرنامج النووي الإيراني، بينما تُحرم بقية دول العالم من هذه الرقابة.
علاوة على ذلك، لا توجد حالة حرب بين إيران والولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكن تفسير هذا الفعل إلا باعتباره انتهاكاً واضحاً وغير مسبوق لمبادئ الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
لقد كشف عدوان ترامب على إيران عن ضعف الكيان الصهيوني وعجزه الكامل عن مواجهة إيران، فاضطرت الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر لإنقاذ وكيلها المدلّل. ويعبّر هذا التصرف بوضوح عن التواطؤ العميق والمشاركة الكاملة بين أمريكا والكيان الصهيوني في جميع مآسي العالم الإسلامي، كما يمكن رؤية نتائج هذا التحالف في عجز المجتمع الدولي عن التصدي لجرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان.
وأمام هذه الجريمة الدولية المكتملة الأركان، تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية – بحق – أن لها كامل الحق في الدفاع عن نفسها، واستهداف مصادر التهديد، بما يتماشى مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنح الدول العضو الحق في الدفاع الفردي أو الجماعي عن النفس في حال وقوع عدوان مسلح.
إن الصمت الدولي، لا سيما من جانب بعض القوى الغربية، تجاه هذه الجريمة، يمثل تواطؤاً مخجلاً، وازدواجية مفضوحة في المعايير. فبينما تُستباح سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، تُواصل مؤسسات المجتمع الدولي فشلها في تطبيق القانون الدولي على المعتدي.
إنّ الصمت أو الحياد في مثل هذه اللحظات المفصلية لا يُعدّ إلا تواطؤًا غير مباشر مع المشروع الصهيوني، الذي يستهدف تمزيق الأمة وتفكيك صفوفها. لقد أثبتت الأحداث أن العدو لا يُفرّق بين عربي وفارسي، ولا بين سني وشيعي، وإنما يُصنّف خصومه على أساس مواقفهم من المقاومة والحرية والاستقلال. ولذلك، فإنّ توحيد الصفوف الإسلامية، شعبيًا ورسميًا، هو واجب شرعي وضرورة استراتيجية للدفاع عن الأمة، وردع كل من يتجرأ على المساس بكرامتها وسيادتها. فإننا أمام لحظة تاريخية مفصلية تتطلب من الحكومات والمنظمات والعلماء والمفكرين وقوى الشعوب أن تُنادي بصوت واحد: لا لعدوان صهيوني جديد، نعم لوحدة الصف الإسلامي. إنّ الدفاع عن إيران في وجه هذا العدوان الغاشم هو دفاع عن فلسطين، وغزة وبيروت، وكل مدينة عربية وإسلامية تُقاوم الظلم والاحتلال.
إن الشعب الإيراني، كما عهدناه، سيبقى صامداً، ولن ترهبه الهجمات ولا محاولات إخضاعه، بل ستزيده تماسكاً حول قيادته وحرصاً على استقلاله الوطني. أما الكيان الصهيوني، فإنه بهذه المغامرة الخطيرة يكون قد فتح على نفسه أبواب مواجهة مفتوحة مع محور واسع من المقاومة والكرامة يمتد من طهران إلى غزة وبيروت.
إن حقّ إيران في الردّ مشروع، بل واجب، دفاعاً عن كرامتها وسيادتها ودماء أبنائها، وعلى العالم أن يدرك أن تمادي الاحتلال في جرائمه لن يؤدي إلا إلى تسريع نهايته المحتومة.
في النهاية، أتقدّم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية، قيادةً وشعباً، على مواقفها المشرفة والداعمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها، إثر العدوان الصهيوني الغادر والجبان.
كما أخصّ بالشكر أصحاب الكلمة الحرة من الإعلاميين والصحفيين، والأحزاب السياسية والتنظيمات الشبابية والمجتمعية، والجمعيات المدنية، وكل أبناء الشعب الموريتاني الأبي، الذين عبّروا عن تضامنهم الصادق مع إيران وشعبها، ورفضهم القاطع للعدوان والظلم والطغيان.
إن وقوفكم النبيل، وبياناتكم الجريئة، ومظاهراتكم الحاشدة، ومواقفكم الثابتة، قد جسّدت عمق الإيمان بوحدة الأمة ورفض الهيمنة الصهيونية، وأكدت من جديد أن موريتانيا ستبقى، كما عهدناها، قلعةً للصمود والدفاع عن قضايا الأمة العادلة.
في ختام هذا المقال، يتضح أن العدوان الصهيوني والأمريكي الأخير على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يشكل جريمة دولية مكتملة الأركان، وانتهاكًا صارخًا لكافة المواثيق الدولية، ويؤكد الطبيعة العدوانية لهذا التحالف ضد قوى المقاومة والاستقلال في العالم الإسلامي. وفي مواجهة هذا التحدي المصيري، تظهر ضرورة ملحة لتوحيد الصف الإسلامي، شعوبًا وحكومات، والتصدي الحازم لهذا المشروع التوسعي الظالم. كما أن وقوف الشعوب الحرة.
ابوالفضل کریمی
مستشار السفاره الجمهوریه الاسلامیه الایرانیه فی نواکشوط