الطفرة الاقتصادية في موريتانيا: علامات على التقدم والتحول الهيكلي

بواسطة وكالة الإعلام …


تشهد موريتانيا في السنوات الأخيرة تحولًا اقتصاديًا لافتًا يُعدّ من أبرز فصول الأداء الاقتصادي في غرب إفريقيا. فمنذ تسلم الرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد (الغزواني) مقاليد الحكم، شرعت الحكومة في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الهيكلية والمالية، أثمرت عن مؤشرات اقتصادية إيجابية وأعادت رسم ملامح الاقتصاد الوطني في ضوء رؤية تنموية شاملة.

 

نمو اقتصادي يفوق التوقعات

 

أشاد فيليكس فيشر، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي، خلال زيارته الأخيرة لنواكشوط، بصلابة الاقتصاد الموريتاني وقدرته على تحقيق نمو تجاوز التقديرات. فقد بلغ معدل النمو الاقتصادي 5.2% في عام 2024، متقدمًا على التوقعات السابقة التي لم تتجاوز 4.6%. ويُعزى هذا الأداء إلى تحسن مناخ الأعمال، واستقرار السياسات الاقتصادية، فضلاً عن تسارع الاستثمارات في البنية التحتية والخدمات.

 

إصلاحات هيكلية في العمق

 

لم يكن هذا النمو وليد الصدفة، بل هو ثمرة جهد حكومي مكثف في مجال الإصلاحات الهيكلية، خصوصًا في القطاعات المالية والإدارية. فقد تم تحديث النظام الضريبي، وتطوير آليات مكافحة الفساد، وتعزيز استقلالية البنك المركزي، وهي إصلاحات عززت من الثقة في الاقتصاد الموريتاني على الصعيدين المحلي والدولي.

 

وفي هذا السياق، أظهر التعاون بين وزارة الاقتصاد والمالية والبنك المركزي فاعلية في ضبط المؤشرات الكلية، مثل التضخم وسعر الصرف واحتياطي العملة الصعبة، وهو ما وفّر بيئة استقرار جذابة للاستثمار.

 

آفاق مستقبلية واعدة

 

تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد سيواصل نموه بوتيرة جيدة، مع تقديرات بنمو نسبته 4.0% في 2025. ورغم أن هذه النسبة تبدو أقل من سابقتها، فإن مصدر النمو هذه المرة سيكون القطاع غير الاستخراجي، في تحول نوعي يؤكد نجاعة السياسة الاقتصادية الرامية إلى تنويع مصادر الدخل.

 

ويُتوقع أن تلعب قطاعات الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات، دورًا متعاظمًا في الناتج المحلي الإجمالي، بفضل برامج الدعم الحكومي، وتوسيع التمويل الموجه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحديث البنية التحتية الريفية.

 

استقرار الاقتصاد الكلي كركيزة للتنمية

 

اعتمدت الحكومة سياسة مالية تتسم بالانضباط، مع مرونة في التعامل مع التغيرات الخارجية. ويعتبر التوجه نحو "التثبيت المالي" من أبرز نقاط القوة، إذ يساهم في تقليص عجز الميزانية، وتحسين كفاءة الإنفاق العام، دون الإضرار بالنمو أو الاستثمارات الاجتماعية.

 

كذلك، مكّن اعتماد نظام سعر صرف مرن البنك المركزي من التفاعل السريع مع الصدمات الخارجية، وامتصاص تقلبات أسعار السلع الأساسية، ما أسهم في استقرار العملة الوطنية وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية.

 

تنويع الاقتصاد: الرهان الاستراتيجي

 

أدركت السلطات الموريتانية أن الاعتماد المفرط على الصناعات الاستخراجية، خاصة الحديد والذهب والغاز، لا يضمن استدامة النمو، خصوصًا مع تقلبات الأسواق العالمية. لذلك، أطلقت الحكومة جملة من المبادرات لدعم قطاعات الزراعة والصيد البحري والصناعات الصغيرة، مع التركيز على تمكين الشباب والمرأة في هذه القطاعات الحيوية.

 

وتُعد هذه الخطوات ضرورية لخلق فرص عمل دائمة، وتعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق تنمية أكثر توازنًا بين المناطق الحضرية والريفية، وهو ما يعكس توجهًا تنمويًا بعيد المدى.

 

تشير المعطيات إلى أن موريتانيا تسير بخطى واثقة نحو تحول اقتصادي حقيقي، مدعوم برؤية إصلاحية متكاملة وبارتفاع ثقة المؤسسات الدولية في قدرات البلاد. غير أن الطريق لا يخلو من التحديات، مثل تحسين جودة التعليم، وتطوير البنية التحتية، والحد من الفوارق الاجتماعية.

 

ويبقى الرهان الأكبر على مواصلة الإصلاحات بحزم، مع ضمان الشفافية والمساءلة، لخلق اقتصاد أكثر شمولًا وعدالة. ومع استثمار الفرص المتاحة حاليًا، يمكن لموريتانيا أن ترسّخ موقعها كاقتصاد صاعد في القارة الإفريقية.

سيدنا السبتي