وزارة النقل تُبدِّد آمال 28 ألف مواطن… والعشوائية تُكلّف الموريتانيين المليارات

بواسطة وكالة الإعلام …

في مشهد فاضح من مشاهد العبث الإداري والتخبط الحكومي، أقدمت وزارة النقل مؤخرًا على قرار بإلغاء نتائج امتحانات رخص السياقة التي خضع لها أكثر من 28 ألف مواطن منذ شهر ديسمبر 2024، دون سابق إنذار، ودون أي اعتبار للآثار الكارثية التي ألحقها هذا القرار بحياة آلاف البسطاء الذين أفنوا وقتهم وأعصابهم، ودفعوا من قوت يومهم طمعًا في ورقة رسمية تُخوّل لهم كسب عيش كريم في بلد تضيق فيه سبل الرزق.

القرار الذي لم تُبرره الوزارة حتى اللحظة بأي تبرير شفاف أو معقول، ألقى بآلاف المواطنين في هوة من الغبن واليأس، وجعلهم ضحية مباشرة لعشوائية التخطيط وغياب المحاسبة. كل مواطن من هؤلاء خسر ما لا يقل عن 60 ألف أوقية قديمة دفعتها أسرهم بصعوبة لمدارس تعليم السياقة، أي ما يُعادل مليار و680 مليون أوقية قديمة تبخرت من جيوب الفقراء إلى المجهول… ناهيك عن الوقت المهدر، والأعصاب المنهكة، والانتظار القاتل طيلة سبعة أشهر.

هؤلاء المواطنون ليسوا مترفين ولا هواة جمع أوراق رسمية. هم عمال، وحمالة، وسائقو أجرة، وباعة متجولون، وكلهم يطلبون رخصة سياقة علّها تفتح لهم بابًا صغيرًا في سوق العمل، وتمنحهم الحق في قيادة وسيلة نقل لكسب القوت في شوارع العاصمة أو أعماق الداخل المنسي.

الوزارة لم تكتفِ بإلغاء النتائج فقط، بل تركت هؤلاء المساكين عالقين في الفراغ، فلا هم نالوا الرخص، ولا استرجعوا أموالهم، ولا وجدوا من يعتذر لهم أو يُفسّر ما حدث. وكأن الدولة تُقرّ بعجزها عن احترام التزاماتها أمام مواطنيها، وتُعلن إفلاسها الإداري بأبشع صورة ممكنة.

والأسوأ من هذا، أن شرطة المرور ما زالت تُعامل الناس على أساس أن الرخصة إجبارية، وتُوقف السائقين ساعات، وتفرض غرامات تصل إلى 20 ألف أوقية قديمة، على ورقة هم حُرموا منها بسبب خلل لا يد لهم فيه. هذا ظلم مركّب، تتحمله جهة واحدة فقط: وزارة النقل.

ولعل من المفارقات الساخرة، أن هذا القرار المجحف يأتي في بلد يُرفع فيه شعار “الرقمنة”، ويُبشّر فيه بـ”الإصلاح الإداري”، بينما الواقع يُخبرنا أن النظام الذي فشل في إصدار رخص سياقة خلال 7 أشهر، هو نفسه الذي يُعاقب من لا يحملها!

نحن هنا لا نتحدث عن إجراء إداري بسيط، بل عن مجزرة بيروقراطية، تمسّ بأرزاق الناس، وتهدر كرامتهم، وتُفقدهم الثقة في مؤسسات يُفترض بها أن تكون في خدمتهم لا ضدهم.

إن وزارة النقل مطالبة فورًا بإعادة الاعتبار لهؤلاء المتضررين، إما بتسليم رخصهم، أو تعويضهم الكامل عن خسائرهم المالية والمعنوية. أما الصمت، فهو جريمة أخرى تضاف إلى سجل التجاهل المزمن في هذا البلد.

هذا نداء تضامن مع 28 ألف مواطن، ومع كل من يئن بصمت تحت وطأة قرارات مرتجلة يدفع ثمنها الفقراء وحدهم، بينما ينجو صانعوها دائمًا من المحاسبة والعقاب